آخر أيام أوتيل الكارلتون...
«يقع فندق الكارلتون على الجادة الكبيرة المؤدّية من المطار إلى المدينة بمحاذاة الشاطئ، وتمتدُّ واجهتُه على الكورنيش الذي تراصفت عليه مبانٍ سكنية حديثة. وتمَّ تشييد الفندق بحيث تُطلُّ جميع غرفِه على البحر، ممّا يتيح لكافَّة روّاده الاستمتاع بالمشهد الرائع». (غير معروف)
فندق الكارلتون من تصميم المهندس المعماري البولندي الحداثيّ كارول شاير في عام ١٩٥٧. وبُني على الكورنيش في بيروت. وعني مهندس الديكور ميشال هرموش الذي خصَّ بَهْوَه باللون الورديّ، واستَورد أثاثه الراقي من أوروبا. وساهم حوضُ السباحة الذي على شكل حبّة فاصوليا، وإطلالاتُ الغرف جمعاء على البحر المتوسط، في جعله فندقاً فخمًا. وكان مطبخُه الفرنسي المتميِّز، وقاعةُ الطعام المضاءة بالشموع على وجه الخصوص، مدعاة للفخر.
افتُتِح الفندق في شباط/فبراير ١٩٦٠، وكان نزلاؤه من النخبة الثقافيّة المتألّقة في المنطقة والسيّاح الأثرياء والدبلوماسيّين الدوليين. وطوال فترة الحرب الأهلية ١٩٧٥-١٩٩٠، ارتاده صحافيّون وشخصيّات سياسية. لكنّه لم يتعافَ بعد الحرب، وأفُل نجمه في نهاية المطاف، بحكم ضمور قطاع السياحة وضعف الاقتصاد المحلّي. في عام ٢٠٠٨، بيع فندق كارلتون إلى مُقاوِلين قاموا بهدمه وبناء مجمَّع سكنيٍّ مكوَّن من ثلاثة أبراج حمل اسم «كارلتون ريزيدانس».
محفوظة فندق كارلتون
تمكّنت أمم للتوثيق والأبحاث، بمحض الصدفة وقبل فترة وجيزة من هدم المبنى، من اقتناءِ عدّة أطنان من الوثائق التي كانت موجودة في الفندق وإنقاذها من غياهب النسيان. تتكوَّن هذه المحفوظة الضخمة من ٥٧٤ مجلّدًا أصليًا دوِّنت فيها أحداثٌ وحفلاتٌ ومؤتمرات، وبياناتُ محاسَبة، وفواتيرُ المورِدين، ووثائقُ قانونيّة، ومراسلاتٌ شخصيّة، وقصاصاتٌ من الصحف، ومعلوماتٌ عن الموظّفين والرواتب، وحتى وصولاتُ المطاعم. كما تحتوي على ٤٠٠ دفتر مجلّد يتضمّن تفاصيلَ فواتير النزلاء وجداولَ الإشغال وسجلّاتِ العمليّات. علاوة على ذلك، تشملُ المجموعة موادَّ متنوِّعة مثلَ بطاقاتِ زيارة وتذاكرِ سباحة وقوائمِ طعامٍ للمناسباتِ الخاصّة وبطاقاتِ هويّة الموظّفين ورسومات معماريّة. يعود تاريخُ الموادّ إلى الفترة الممتدّة من عام ١٩٥٥ إلى عام ٢٠٠١. ورغم أنِّ فندق كارلتون افتُتِح في شباط/فبراير ١٩٦٠، إلّا أن الأرشيف يتضمن وثائقَ عديدة تسبق افتتاحه وتركِّز، على سبيل المثال، على إنشاء المبنى. كما تضمُّ المجموعة سجلّاتٍ تتعلَّق بفندقِ ريجنت، وهو فندق آخر في ساحة الشهداء في بيروت بُنِيَ قبل فندق الكارلتون، حيث كان كلا الفندقَين مُلكًا لعائلة مدوّر.
كلُّ هذه المقتَنيات الأرشيفيّة، التي باتت في عهدة أمم للتوثيق والأبحاث، لا تساعدُ في توثيق تطوّر الكارلتون على مرِّ العقود فحسب، بل وتروي جوانبَ من الحياة اليوميّة داخلَ الفندق المرموق. وهي بذلك تُتيح الفرصة لمعايشةِ أطيافٍ واسعة من الأحداث تميّزت بها الحياة في فندق الكارلتون، من مؤتمر الحزب الشيوعيّ الذي عُقد فيه عام ١٩٧٢، إلى شكاوى نزلاءٍ تقلّصت ثيابُهم أثناء غسلها، مرورًا باستفساراتٍ تطلبها امرأةٌ حول عدد الليالي التي كانَ فيها زوجها نزيلًا في الفندق، ودمارِ الطابق العاشر بفعل حريق اندلع فيه، وتأثيرِ الاستيلاء على بيروت الغربية في شباط/فبراير ١٩٨٤.
توفِّر محفوظةُ فندق الكارلتون مجموعة غنيّة من القصص التي كتبَها أو كُتِبت عن النزلاء من نوّابٍ ومشاهيرَ وصحافيّين وطهاةٍ وموظّفي الاستقبال ومسلّحي الميليشيات إبان الحرب الأهلية. نتعرّف من خلالِها ليس على آليّة عملِ الفندق نفسِه وحسب، بل وأيضًا على جانبٍ كاملٍ من الحياة العامّة في النصف الثاني من القرن العشرين في بيروت. والأهمُّ من ذلك، تعطينا هذه المحفوظة إحساسًا ملموسًا بأحداث أثَّرت على فندق الكارلتون الذي انقلب رأسا على عقب بسبب الحرب الأهلية وقد اندلعت بعد خمسة عشر عامًا فقط من افتتاحِه. تاريخُ فندق الكارلتون يعكِس عن كثب حيزّا من تاريخ بيروت ولبنان.